كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال مجاهد: الاستئذان هو التنحنح.
ثم قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ} أي ليس عليكم معشر المؤمنين، ولا عليهم، يعني: الخدم {جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} يعني: بعد الساعات الثلاث {طَوفُونَ عَلَيْكُمْ} يعني: يتقلبون فيكم ليلًا ونهارًا يدخلون عليكم بغير استئذان في الخدمة {بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} أي يدخل بعضكم على بعض بغير إذن {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} يعني: أمره ونهيه في الاستئذان {والله عَلِيمٌ} بصلاح الناس {حَكِيمٌ} حكم بالاستئذان.
قوله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الاطفال مِنكُمُ الحلم} يعني: الاحتلام {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا استأذن الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني: الكبار من ولد الرجل وأقربائه معناه فليستأذنوا في كل وقت، كما استأذن الذين من قبلكم، يعني: من الرجال {كَذَلِكَ يُبَيّنُ الله لَكُمْ آياته} أي أمره ونهيه في كل وقت، {والله عَلِيمٌ} بِصَلاَحِكُم {حَكِيمٌ} حكم بالاستئذان.
{والقواعد مِنَ النساء} يعني: الآيسات من الحيض.
والقاعدة: المرأة التي قعدت عن الزوج، وعن الحيض والولد، والجماعة قواعد {اللاتى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا} يعني: لا يحتجن إلى الزوج، ولا يرغب فيهن.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} أي جلبابهن ويخرجن بغير جلباب {غَيْرَ متبرجات بِزِينَةٍ} والتبرج: إظهار الزينة، يعني: لا يردن بوضع الجلباب أن ترى زينتهن.
{وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ} يعني: يتعففن، فلا يضعن الجلباب.
{خَيْرٌ لَّهُنَّ} من الوضع.
{والله سَمِيعٌ} لمقالتهن يعني: أن العجوز إذا وضعت جلبابها، وتبدي زينتها وتقول: من يرغب فيَّ {عَلِيمٌ} بنيتها وبفعلها.
ويقال: سميع عليم بجميع ما سبق في هذه السورة.
ويقال: سميع عليم انصرف إلى ما بعده فيما يتحرجون عن الأكل.
قوله عز وجل: {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} قال في رواية الكلبي: كانت الأنصار يتنزهون عن الأكل مع الأعمى والمريض والأعرج، وقالوا: إن هؤلاء لا يقدرون أن يأكلوا مثل ما نأكل، فنزل {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ} يعني: ليس على من أكل مع الأعمى حَرَجٌ {وَلاَ عَلَى} من أكل مع {الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى} من أكل مع {المريض حَرَجٌ} إذا أنصف في مؤاكلته.
وقال بعضهم: هذا التفسير خطأ، وهو غير محتمل في اللغة، لأنه أضاف الحرج إلى الأعمى لا إلى من أكل معه، وقد قيل: إن هذا صحيح، لأنه ذكر الأعمى، وأراد به الأكل مع الأعمى، كقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا ميثاقكم وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واسمعوا قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ في قُلُوبِهِمُ العجل بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إيمانكم إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 93] أي حب العجل، قال: وكما قال: {واسئل القرية} وللآية وجه آخر، وهو أن الأعمى كان يتحرج عن الأكل مع الناس مخافة أن يأكل أكثر منهم وهو لا يشعر، والأعرج أيضًا يقول: إني أحتاج لزمانتي أن يوسع لي في المجلس، فيكون عليهم مضرة، والمريض يقول: الناس يتأذون مني لمرضي، ويقذرونني، فيفسد عليهم الطعام، فنزل {لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ} يعني: لا بأس بأن يأكلوا مع الناس، ولا مأثم عليهم.
ولها وجه آخر وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان الناس يخرجون إلى الغزو، ويدفعون مفاتيحهم إلى الزَّمْنى والمرضى، ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا في منازلنا.
وكانوا يتورعون منازلهم حتى نزلت هذه الآية، وإلى هذا يذهب الزهري رضي الله عنه.
وذكر أيضًا أن مالك بن زيد، وكان صديقه الحارث بن عمرو خرج غازيًا، وخلف مالكًا في أهله وماله وولده، فلما رجع الحارث رأى مالكًا متغيرًا لونه، فقال: ما أصابك، فقال: لم يكن عندي شيء آكله، فجهدت من الشدة والجوع، ولم يكن يحل لي أن آكل شيئًا من مالك، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {أَوْ صَدِيقِكُمْ} وقوله: {وَلاَ على أَنفُسِكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم، أو من بيوت عيالكم وأزواجكم.
ويقال: بيوتكم أي بيوت أولادكم.
ويقال: من بيوتكم، يعني: من بيوت بعضكم، وذلك أنه لما نزل {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُم بالباطل} امتنع الناس من أن يأكل بعضهم من طعام بعض، فنزل في ذلك: {وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} يعني: من بيوت بعضكم بعضًا.
{لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ} يعني: لا بأس أن يأكل من بيت هؤلاء بغير إذنهم، لأنه يجري بينهما من الانبساط ما يغني عن الإذن.
ثم قال: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ} أي: خزائنه يعني: عبيدكم وإماءكم، إذا كان له عبد مأذون، فلا بأس أن يأكل من ماله، لأن ذلك من مال مواليه.
ويقال: يعني: حافظ البيوت، فلا بأس أن يأكل مقدار حاجته.
ثم قال: {وَصَدِيقِكُمْ} يعني: لا جناح على الصديق أن يأكل من بيت صديقه إذا كان بينهما انبساط.
وروي عن قتادة أنه قال: لو دخلت على صديق، ثم أكلت من طعامه بغير إذنه كان حلالًا.
ثم قال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} يعني: جماعة أو متفرقين في بيت هؤلاء.
ويقال: إنهم كانوا يمتنعون عن الأكل وحده، وذكر في قوله تعالى: {إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] يعني: الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده، فرخص في هذه الآية، لأن الإنسان لا يمكنه أن يطلب في كل مرة أحدًا يأكل معه.
وروى معمر عن قتادة قال: نزلت الآية في حي من العرب كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده، وكان يحمله بعض يوم حتى يجد من يأكل معه، فنزل {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا}.
ثم قال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} قال مقاتل: يعني: دخلتم بيوتًا للمسلمين {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} يعني: بعضكم على بعض، كما قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} يعني: بعضكم بعضًا.
وروى عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا} قال: هو المسجد {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} فقولوا السلام علينا من ربنا {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} يعني: السلام {مباركة} بالأَجْرِ {طَيّبَةً} بالمغفرة.
وقال إبراهيم النخعي: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} إذا كان في البيت إنسان يقول: السلام عليكم، وإذا لم يكن فيه أحد يقول: السلام علينا من ربنا، وعلى عباد الله الصالحين، وهكذا قال مجاهد، وقال الحسن والكلبي: {فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ} يعني: بعضكم على بعض.
وروى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أبْخَلُ النَّاسِ الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلامِ» ويقال: معنى السلام: إذا قال السلام عليكم يعني: السلامة لكم مني، فكأنه أمنه من شر نفسه.
ويقال: يعني: حفظكم الله من الآفات.
ويقال: السلام هو الله، فكأنه الله حفيظ عليكم، ومطلع على ضمائركم، فإن كنتم في خير فزيدوا، وإن كنتم في شر فانزجروا {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله} وأصل التحية هو البقاء والحياة كقوله: حَيَّاكَ الله.
وإنما صار نصبًا على المصدر، ثم قال: {كذلك يُبيّنُ الله لَكُمُ الآيات} يعني: أمره ونهيه في أمر الطعام والشراب {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي لكي تعقلوا وتفهموا.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا المؤمنون} يعني: المصدقين {الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ على أَمْرٍ جَامِعٍ} يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا جمعهم على أمر لتدبير في أمر جهاد، أو في أمر من أمور الله تعالى فيه طاعة لله ولرسوله {لَّمْ يَذْهَبُواْ} يعني: لم يفارقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم {حتى يَسْتَذِنُوهُ}.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمعهم يوم الجمعة، فيستشيرهم في أمر الغزو، فكان يثقل على بعضهم المقام، فيخرجون بغير إذنه.
وقال بعضهم: نزلت في يوم الخندق، وكان بعض الناس يرجعون إلى منازلهم بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأمرهم بأن لا يرجعوا إلا بإذنه عليه السلام، وكذلك إذا خرجوا إلى الغزو، ولا ينبغي لأحد أن يرجع بغير إذنه.
وفي الآية بيان حفظ الأدب، بأن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين ينبغي أن لا يرجعوا إلا بإذنه، وكذلك إذا خرجوا إلى الغزو، لا ينبغي لأحد أن يرجع إلا بإذنه، ولا يخالف أمر السرية.
وروي عن مكحول أنه سئل عن هذه الآية وعنده عطاء، فقال: هذا في الجمعة، وفي الزحف، وفي كل أمر جامع.
ثم قال تعالى: {إِنَّ الذين يَسْتَذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الذين يُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ} وليسوا بمنافقين، وكان المؤمنون بعد نزول هذه الآية لم يكونوا يرجعون حتى يستأذنوا وأما المنافقون فيرجعون بغير إذن.
ثم قال: {فَإِذَا استذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} يعني: لبعض أمورهم وحوائجهم {فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} ولا تأذن لمن شئت لأن بعض المنافقين لم يكن لهم في الرجوع حاجة، فإن أرادوا أن يرجعوا فلم يأذن لهم، وأذن للمؤمنين.
وقال مقاتل: نزلت في شأن عثمان حين استأذن في غزوة تبوك بالرجوع إلى أهله، فأذن له.
{واستغفر لَهُمُ الله} أي فيما استأذنوك من الرجوع بغير حاجة لهم.
{أَنَّ الله غَفُورٌ} رَحِيمٌ لمن تاب {رَّحِيمٌ} به.
ثم قال عز وجل: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرسول بَيْنَكُمْ} يعني: لا تدعوا محمدًا باسمه صلى الله عليه وسلم {كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضًا} ولكن وقِّروه وعظموه، وقولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله، ويا أبا القاسم.
وفي الآية بيان توقير معلم الخير، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم الخير، فأمر الله عز وجل بتوقيره وتعظيمه، وفيه معرفة حق الأستاذ، وفيه معرفة أهل الفضل.
ثم ذكر المنافقين فقال عز وجل: {قَدْ يَعْلَمُ الله} يعني: يرى الله {الذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ} يعني: يخرجون من المسجد {لِوَاذًا} يلوذ بعضهم ببعض، وذلك أن المنافقين كان يشقُّ عليهم المقام هناك يوم الجمعة وغيره، فيتسللون من بين القوم، ويلوذ الرجل بالرجل، أو بالسارية لئِلاَّ يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرج من المسجد.
يقال: لاذ يلوذ إذا عاذ وامتنع بشيء.
ويقال: معنى {لِوَاذًا} هنا من الخلاف، يعني: يخالفون خلافًا، فخوفهم الله تعالى عقوبته فقال: {فَلْيَحْذَرِ الذين يخالفون عَنْ أَمْرِهِ} يعني: عن أمر الله تعالى.
ويقال: عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقال: عن: زيادة في الكلام للصلة.
ومعناه: يخالفون أمره إلى غير ما أمرهم به {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} يعني: الكفر، لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب، فمن تركه على وجه الجحود كفر.
ويقال: فتنة، يعني: بلية في الدنيا.
ويقال: فساد في القلب.
ويقال: {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يعني: يصيبهم عذاب عظيم في الآخرة.
ويقال: القتل بالسيف.
ويقال: يجعل حلاوة الكفر في قلبه.
وقوله: {أَوْ} على معنى الإبهام، لا على وجه الشك والتخيير.
ثم قال عز وجل: {أَلا إِنَّ للَّهِ مَا في السموات والأرض} من الخلق عبيده وإماؤه في مملكته {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} من خير أو شر، فيجازيكم بذلك {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} في الآخرة {فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ} من خير أو شر، فيجازيهم بذلك.
{والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} من أعمالهم وأقوالهم، وبما في أنفسهم.
وروي عن الأعمش، عن سفيان بن سلمة، قال: شهدت ابن عباس ولي الموسم، وقرأ سورة النور على المؤمنين، وفسرها على المنبر، فلو سمعتها الروم لأسلمت.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: تعلموا سورة براءة، وَعَلِّموا نساءكم سورة النور، والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.